بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، أبريل 04، 2011

من الإيديولوجيا إلى الميديولوجيا


بقلم:  هشام الكاو

شكل دخول الأنترنيت إلى العالم العربي انقلابا جذريا قلب كل المعادلات في المجتمع التقليدي المنكفئ على ذاته، ووضعه في سيرورة عالم يتحول، وحتميا كان من الضروري أن يمتد التحول لبنيات هذا المجتمع ولو ببطئ.
لقد مارست الدولة العربية الموروثة عن الاستعمار، والمرتكزة – في الغالبعلى تبعيته، أشكالا من الإقصاء والتضييق على الوعي المخالف لتوجهاتها، فقمعت وصادرت الأفكار المعارضة، وأغلقت منافذ التعبير المغايير لرؤيتها التوليتارية، في مقابل احتكارها لوسائل الإعلام الممكنة، التي دجنتها لصالح طروحاتها وشحنها الإيديولوجي الأحادي الجانب.
هذا الإحتكار الذي حول الدولة، إلى تجمع من الرجال المسلحين (حسب إنجلز)، أفرغ مفاهيم من قبيل، الديمقراطية والحرية والإختلاف والحقوق والواجبات – بما هي قيم للمواطنة – من كل حمولاتها، فالحكم الاستبدادي المتوارث، القائم على الترغيب والترهيب، لا يفهم ولا يسمح بممارسة هاته القيم إلا من داخل منظومته ورؤيته، فتحول الوطن إلى مقابل موضوعي للدولة بمفهومها السياسي، وتحولت المواطنة إلى ممارسة مشروطة بدرجة الولاء والقرب من السلطة وهياكلها، فتناسلت مفاهيم من قبيل حزب السلطة ومؤسسة السلطة وإعلام السلطة ومثقف السلطة… في مقابل المفاهيم الضدية التي يكون مصيرها التهميش أو الملاحقة والمصادرة بحسب درجة خطورة الرفض و تنظيمه.
هذه الإزدواجية في المعايير، وأدلجة القيم المطلقة وتحويلها إلى قيم نسبية تحكمها إيديولوجيا الدولة، خلق على الدوام حالة من الرفض، ترجمها الجيل السابق إيديولوجيا، فجاوبها بقمع شرس وطويت صفحته بانهيار جدار برلين، لتستكين الأنظمة المستبدة إلى هدوء مطلق دجنت فيه كل المعارضين، فمارست هيمنتها المطلقة غير مبالية بهوامش الرفض الذي راكمته الأجيال المتعاقبة من خلال عزوفها الكلي عن السياسة وكل ما له علاقة بالدولة ومؤسساتها.
لقد منحت مواقع التواصل الإجتماعي فضاءا كونيا لممارسة الرفض والتعبير بعيدا عن آليات المنع والقمع، فتحول الرفض الصامت إلى رفض صارخ، ممنهج ولو افتراضيا، متحولا بذلك من المعارضة الإيديولوجية إلى المعارضة الميديولوجية التي أثمرت في حركة وعي جديد قاد الثورة واسقط الاستبداد الذي استخف بقدرتها.
لقد فهم العالم المتقدم، قيمة المواقع الاجتماعية التي تستقطب الملايين من الشباب وتيسر التواصل معهم، فاستغلها لتوجيه الشباب نحو خدمة القضايا الوطنية (طبعا في دول تخدم فيها الدولة الوطن لا العكس).
لكن للأسف في الجنوب مازالت النخب تستخف بقدرة هذه الوسائط، وتعتبرها عبثا تكنولوجيا، لأنها نخب تقليدية أغلبها متورط في الفساد القائم، ولا يمكن للمواقع الاجتماعية استيعاب الخطاب الموجه لخدمة القضايا الوطنية ما لم يتم مباشرة إصلاحات واقعية تنمي لدى الشباب الإحساس بمفهوم الوطنية الملتبس مع مفهوم الدولة بتجلياتها المرفوضة، فالاستجابة الآن هي لخطاب الثورة المضاد للدولة، أما خطاب خدمة القضايا الوطنية من داخل الدولة القائمة، فينظر إليه غالبا كنوع من التملق للسلطة لأنها اختزلت الوطن في هياكلها ومنظومتها المتشعبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق