بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، أبريل 24، 2011

إلى أين نتجه..؟!



بقلم: زهية شاهين
 أخصائية نفسية
 برنامج غزة للصحة النفسية

نهضت غزة من نومها على فاجعة اختطاف ومقتل المتضامن الأجنبي "..ما ا لمثير في ذلك؟ ..نهضت غزة  وامتلأت الصحف والمجلات بأخبار وإبداعات وبكائيات غزة علي البطل الفريد من نوعه !!.. وزينت صوره الفيس بوك واستحوذ موته على حوارات الشباب وأصبحت هناك قضية, ولكن الملاحظ أن أكثر الفئات تأثرا هم فئة الشباب ( لماذا ؟) ويلحقهم بعض المناضلين من العهد الماضي الجميل ويلحقهم بعض رجالات الحكومة في صدمة تحديد الموقف واحتواء الوضع  ويلحقهم بعض المنافقين الذين يريدون التواجد في الصورة ..الخوالمثير يا سادة انه منذ فترة زحف الفتور والإحباط  واللامبالاة على جزء كبير من شعبنا وأصبح الشهيد يمر في طرقات غزة ولا بواكي له , وكأنه لا يعني سوى أهله  حيث فقد شهيد التنظيمات رونقه , فمن هذا الغريب الذي يستعيد به القوم هويته ويعطي هذه الطاقة إبداعية ..هل لأنه فريد من نوعه أو إن بموته شعر الناس كأنه الموت للمرة الأولى يزور المدينة .. هل لأنه غريب؟  ونحن ثقافيا إحساسنا بالغريب عال أو لأنه يذكرنا بغربتنا في وطننا وبين أهلنا..كان هذا الرجل بيننا ولم نره حينها فلماذا نراه الآن بشكل مختلف ؟...نراه بطلا وأسقطنا عليه أحزاننا الدفينة القديمة والحديثة.. الشخصية والعامة ..أسقطنا رغباتنا وأحلامنا ..ما هذا يا هذا ؟.في جانب آخر لم يشفق احد على من قتل من قتلته رغم إنهم ضحايا في وطني مثله تماما ولم ير إلا الندرة لصورة المشكلة وهي التطرف وهذا أيضا عرض من أعراض المرض يا سادة ..مرض؟ ..نعم مرض  اسمه تشوه الهوية .هل أصدمكم في ذلك أتخيل ردات فعلكم وأعلم أن أغلبكم لا يريد مواجهة الحقيقة ..إذا ما الحقيقة يا سادة؟ الحقيقة يا سادة أن في داخلنا تشوهات حادة في هويتنا، في نماذج القيم لدينا, لقد أصابنا الرعب لأننا فجأة أُوقفنا على باب المجهول المخيف ..أين سنذهب؟ .من نحن؟ وماذا سيحدث لنا؟ , نحن جميعنا  أمام هذه الحالة من زمن ولم نرها لأننا في لاوعينا لا نريد المواجهة ورؤية الحقيقة لذلك انعكس ذلك على سلوكنا ومزاجنا اليومي .. وتسلل إلينا ببطء، إن تشوه الهوية يؤدي إلى تغير في مفاهيم الأمور فلم يعد الموت موتاً ولا الشهيد شهيداً وأصبح الصراع بلاهة وبلادة وإن نطقنا نقول علام  يتقاتلون؟ ... أيها السادة لا بد من تفسير لما يحدث إنها أوسلو ... بدأ الشرخ .. ويوماً بعد يوم سار يكبر ويكبر حتى وصلنا إلى الانهيار , سقطت قدسية التنظيمات ثم طل علينا صراع الأخوة الأعداء ثم الحصار وأخيراً حرب غزة الأخيرة التي قطعت أوصالنا وزادت مخاوفنا ومحاولة إرساء حكم الحكام في غزة والضفة بالتخوين و بالحلول الأمنية التي  كسرت آخر ما تبقى في كرامة الفلسطيني وطاردت أمن المواطن الذي لا أمان له.لقد جاء الحدث الأخير ليضعنا أمام المجهول الذي كنا نخشاه وهو أيدي خفية غير مرئية تثير القلق الجماعي والغريزي وهو قلق الموت والقلق تجاه المستقبل عموماً, القلق على الصورة الأخلاقية للفلسطيني وكأن السؤال هل نحن قبيحين بهذا القدر الكبير؟.كل ذلك كان نتاجه تشوهات في الهوية فما المقصود بالهوية – الهوية  ليست مسألة ثابتة ...إنها تتأثر بالتحولات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبمسائل الصراعات على السلطة خاصة , ومكوناتها قيمية وأخلاقية والعادات والتقاليد والفكر وطرق التواصل الاجتماعي وخارطة الجغرافية ( ما شاء الله عنا خرائط وليست خارطة ) وطرق المواجهة  والتكيف الجماعية لأي حدث يواجه أي مجموعة أو شعب .وكل ذلك حدث فيه خلل في  تاريخ شعبنا الحاضر حيث تشوه الهوية والنماذج المثالية أدى بشعبنا إلى البحث عن حلول والحلول إما سلبية وهي الانسحاب إلى الخلف واللامبالاة أو ايجابية عبر المواجهة والتعبير عن الذات وبنائها .لذلك وجد فئة من الشباب نموذج فيكتور مناسب واسقطوا عليه كل صراعاتهم ورغباتهم وأمانيهم  لأنهم  افتقدوا النماذج المخلصة  والمتواضعة والتي تقترب من عالمهم وتحترمه, والتي لها قضية وهذا ما أشعرهم  بالذنب ...قد يعترض البعض ويقول اختزلتي كل ذلك وجردتي الناس من مشاعرهم وأرد : لم أختزل لأن نموذج مثل فيكتور يحمل قضية أممية في أي مكان من الكرة الأرضية الإنسانية فهذا يعتبر نموذج غير موجود في النماذج الرسمية  وإن وجد فهو فاقد الصلاحية بحكم السلطات التي تقلص دوره ..والشباب بالذات يحتاجون لنماذج تساعدهم على تشكل هويتهم الوطنية والشخصية  ولذلك حملوا القضية مالا تحتمل وهذه أكثر مرحلة يفتقد فيها شعبنا هذه النماذج والمشكلة ليس في عدم وجودها ولكنها كانت موجودة والكثير منها سقط أخلاقياً (بمفهوم القيم ) ووطنيا وحتى على المستوى العربي وجدت نماذج السلطة التي كانت تحكم بالحديد والنار بأنه من ورق وبقدر ما أسقط ذلك حاجز الخوف وأعطى القدرة على التحدي والمواجهة بقدر ما شكل قلق نتيجة عنصر المفاجأة وذلك لأن الهوية لا تتشكل بين يوم وليلة .هذا الوصف كان لفترات قريبة ولكن منذ قيام الثورة المصرية بالذات والشباب تنفس الصعداء وبدأ يبحث عن ذاته الجماعية بشكل سلمي يجنبه بطش السلطة سواء السياسية أو الاجتماعية  ولذلك الأدوات التعبيرية لدى الشباب أصبحت تزداد وتعطينا من إبداعاتهم الكثير ولكن  يا سادة حتى التعبير السلمي أيضا اصطدم بغضب السلطة (هنا وهناك) .وفي المقابل هناك فئة أخرى كانت ردة فعلها على الإحباطات هو الانسحاب ومعاداة المجتمع وتكفيره واللجوء لقدسية الدين  في استعماله والاحتماء بها نفسيا واجتماعيا.هؤلاء وهؤلاء هم أيضاً شبابنا شئنا أم أبينا ..الحلول الأمنية مع الفئتين في طريقهم لتشكيل هويتهم لن يأتي إلا بالتشويه والانحراف قد تكون الحلول الأمنية سريعة الحل وتشعر السلطتين بنشوة السلطة والسيطرة والشعور بالقوة والنصر ولكن لن يستمر ذلك مستقبلاً سوف تقلب الطاولة على الجميع....الحذر ثم الحذر ..لقد سقطتم يا سادة سقوط مروع ..انتم بحاجة أن تساعدوا أنفسكم على تشكل هوية إنسانية لكم ولشعبكم كي تستمروا ...





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق