بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، مارس 31، 2011

السلطة الفلسطينية ورياح التغيير:هل ينجح الشباب في إنهاء الانقسام؟


بقلم : د. أحمد يوسف


مع كل يومٍ يمر، تتوسع الجراح وتتعمق الخلافات، ويفتقد شعبنا حكمة الرجل الرشيد.. فالوطن بترابه المبارك ما زال يئن ويتوجع، ومخالب الغدر الصهيوني تنهش أغلى مقدساته، ونحن الفلسطينيون – وأسفاه - نتخبط في عثراتنا، والعاقل فينا يتساءل بعين دامعة: إلى متى؟!! وهل إلى خروج من سبيل؟
إن الشرق من حولنا كله ينحو باتجاه الإصلاح والديمقراطية والتغيير، فهل تأخذنا أقدامنا وحناجرنا وصحوة ضمائرنا إلى حيث ينتظرنا الجميع؟ الشعوب اليوم تطالب بإسقاط الخطأ، سواء أكان هذا الخطأ مجسداً في النظام أو في الأوضاع القائمة.. المهم أن هناك اليوم نداءات ومطالبات في كل مكان، والجماهير باعتبار أنها تمثل الشرعية الثورية فهي صاحبة الحق في ممارسة الضغط لإنجاز المطالب وتصويب الأخطاء.
لقد تصدرت كوادر حماس وبعض فصائل العمل الوطني – بمسئولية عالية - حركة النزول إلى الشارع خلال الأيام الماضية، مطالبة بإنهاء الانقسام والحصار والاحتلال، وداعية لحماية الحقوق والحفاظ على الثوابت، وهذا – بلا شك - يقطع ألسنة كل ما يحاول التحريض والإدعاء بأن الأجهزة الأمنية في غزة تتصدى لكل مظاهر الاحتجاج والتظاهر وتمنعها بالقوة.
إن ساحات الجندي المجهول والمجلس التشريعي وفضاءات الشوارع الملاصقة لهما ستشهد في الخامس من آذار/مارس أوسع حشود طلابية تنادي بإنهاء الانقسام، في مسيرات هي أشبه بالعرس الوطني، تعكس روح التآخي وحركة الوعي لهذا الشعب الفلسطيني العظيم.
أخيراً، وجد هذا الشعب وسيلة للتعبير بطريقة حضارية لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، والحقيقة – كما علمنا التاريخ – أنه عندما تُستنفذ كل البدائل، تأتي حكمة التصرف.
إن هؤلاء الشباب قد عقدوا العزم أن ينتصر الوطن، ولذلك فلا خيار أمام الساسة وصُنّاع القرار إلا الجلوس على طاولة الحوار والعمل لإنهاء الانقسام.
محاولة مشكورة لتبديد الشكوك:
قد تكون القيادة السياسية في رام الله أول من التقط - بذكاء - الإشارات القادمة من تونس ومصر، فبدأ يهيئ نفسه للانحناء أمام ما يمكن أن تأتي به رياح التغيير من صدمات بهدف امتصاصها، فعمد إلى تقديم مبادرات تخرجه من دائرة المراوحة في المكان الذي لم يعد الشعب – بأي حالٍ من الأحوال - يقبل بها أو يرغب في السكوت عنها.
لا شك بأن الانقسام قد أوجع الجميع، والشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يعد - فعلاً - يُطيق رؤية مشهد الاحتلال يتوسع بشكل يومي على انقاض الجسد الفلسطيني المتهالك سياسياً، والذي يشهد تراجعات واسعة على المستوى المحلي والدولي.
في الحقيقة، أن الكثير مما كشفته وثائق (WikiLeaks - ويكي ليكس) ووثائق المفاوضات التي نشرتها الجزيرة تحت عنوان "كشف المستور"، قد أحرجت السلطة الفلسطينية كثيراً، وهزت مكانة كل من شارك في تلك المفاوضات مع الإسرائيليين.
وفي خضم تناول شبكة الجزيرة الفضائية لتلك الفضائح؛ التفريط بالمقدسات، والتسليم بواقع المستوطنات بالضفة الغربية، والتنسيق الأمني مع الإسرائيليين، جاءت أحداث تونس وسقوط نظام بن علي، ثم خروج ملايين المصريين للشارع مطالبين بإنهاء نظام الرئيس مبارك.. هذه الأجواء المتقلبة حملت رياحاً عاتية، جعلت أركان النظام العربي برمته تهتز وتترنح، وتبحث لها عن مخارج آمنة تمنعها من السقوط.
لقد أظهرت الساحة الفلسطينية بدورها تفهماً لواقع المتغيرات السياسية، وشرعت على عجل في اتخاذ خطوات لا تغيب أبعادها عن عين المراقب في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أعلنت الحكومة في رام الله دعوتها لإجراء انتخابات محليّة، ثم جاء إعلان الرئيس (أبو مازن) عن انتخابات رئاسية وتشريعية في سبتمبر القادم، ثم تصريحات د. نبيل شعت والتي حملت نبرة تصالحية بقبول كل ملاحظات حماس، والاستعداد لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
تزامن مع هذه المواقف – أيضاً - مقترحات جريئة للدكتور سلام فياض بالدعوة إلى تشكيل حكومة فلسطينية تنهي الانقسام، عبر طرح مجموعة من الأفكار العملية تمحورت حول التفاهم على شكل الأوضاع الأمنية التي يمكن التوافق عليها، بحيث يتم تخطي المخاوف المشروعة لحركة حماس وتوجساتها والمتعلقة بمستقبل وجود كوادرها الأمنية والإدارية داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية.
لقد نجح د. فياض – حقيقة - في تفهم حساسية الواقع الأمني لدى حماس، فأوجد معادلة يتم من خلالها استمرار الأوضاع والترتيبات الأمنية على ما هي عليه في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إيجاد آليات للتنسيق بينهما حتى موعد الانتخابات القادمة، والتي يمكن إجراؤها بعد سنة أو أكثر، بحيث تُعطي الفرصة خلالها لكل الأطراف أن تستعيد توازنها وشعبيتها في كافة مناطق السلطة الفلسطينية، وبالتالي الذهاب للانتخابات في ظروف صحية تكفل لها عوامل النزاهة والنجاح.
السؤال الآن، هل ما قامت به السلطة الفلسطينية والدكتور فياض كافٍ لإقناع حركة حماس بالتعاطي مع ما قدمته من طروحات سياسية.. نعم؛ من حيث استكمال ما جاء في ورقة إنهاء الانقسام المصرية، ولكن هناك ضمانات أخرى مطلوب الإشارة إليها في تصريحات المسئولين تؤكد – بشكل واضح وصريح - بأن النظام السياسي الفلسطيني سوف يأخذ بمبدأ الشراكة السياسية، واعتماد آليات التمثيل النسبي لضمان وجود الكل الوطني ممثلاً في المجلس التشريعي، وتوافق الجميع - كذلك - على شكل الحكومة القادمة والصيغة السياسية التي ستخرج بها؛ حكومة وحدة وطنية أو ائتلاف وطني.
وأولاً وقبل كل شيء ينبغي إعادة النظر فيما هو قائم من تنسيق أمني يشكل خطورة على مشروعنا الوطني، وعلى نسيج علاقاتنا النضالية والمجتمعية.
إن هذا التوجه نحو آلية عمل يكون التوافق عنواناً رئيسياً لها، سيسهل قبول الجميع بالعودة السريعة للانتخابات دون أن تطارده مخاوف الإقصاء والتهميش، ووسوسة "المكر السيئ" التي يحملها كل طرف للطرف الآخر.
لقد قيل إن ما أرادته حماس عند دخولها الانتخابات في يناير 2006 هو الفوز بها، ثم الاستحواذ على السلطة وتهميش الآخرين..!! الحقيقة أن هذه اتهامات باطلة، وأن حماس حرصت - منذ البداية - على الشراكة السياسية، ولكن الآخرين في فصائل العمل الوطني رفضوا أن يكونوا شركاء حماس في الحكومة، تحت ذرائع مختلفة ولأسباب – في ظني – لم تكن مقنعة حتى اللحظة.
نعم، قد يكون العرض الذي قدمته حماس لحركة فتح وباقي الفصائل ليس مغرياً، وقد تكون طريقة الحوار على تشكيل الحكومة – آنذاك – جانبها التوفيق والصواب، حيث إن خلافات فتح وحماس – كما هي الحال بين كل الفصائل - كانت متجذرة، وتطوّقها حالة من العداء والكراهية والتحريض بين كوادر وقيادات الفصيلين منذ عام 1996، وقد حالت هذه الأجواء – للأسف – دون الالتقاء تحت أي سقف أو عنوان للشراكة السياسية.
لقد نجحنا في الحكومة الحادية عشرة بتخطي عقدة البرنامج السياسي، وشكلنا حكومة وحدة وطنية، ولكنها – للأسف - لم تلبث أن انهارت بعد أن رفض الغرب التعاطي معها، وأخذ السلاح طريقة لحسم الخلاف عبر أحداث دامية في يونيه 2007 ما تزال جروحها غائرة في النفوس إلى يومنا هذا.
حماس: حكومة بقفطان جديد
أجرت حماس تغييراً وزارياً أقل ما يقال فيه إنه لا يحمل ملامح جديدة، مجرد تدوير لبعض الوجوه المعروفة، وتأكيد حضور لشخصيات لا تبتعد كثيراً عن نفس المحيط، ولكن يمكن استيعاب هذا التحرك الذكي في سياق ما يجري من أحداث إقليمية تريد حماس من وراء هذا التغيير الشكلي أيضاً إرسال رسالة بأنها هي - كذلك - تعي متغيرات الأوضاع السياسية الإستراتيجية بالمنطقة، وتتفهم متطلبات رياح التغيير.
لا شك أن المتابع لردود الفعل داخل الشارع الفلسطيني على تشكيلة الحكومة الجديدة في غزة أو القادمة في رام الله سيسمع الكثير من التعليقات السلبية من ناحية توقيتات الإعلان عنهما، حيث إنه ليس هناك – في الواقع - أي جديد يستدعي حدوث مثل هذه التغييرات.. فالناس تعيش حالة من الانتظار والترقب لرؤية حكومة وحدة وطنية تحمل بشائر إنهاء الانقسام وليس تأكيده ومأسسة بنيانه.
إن هذه التحركات على الساحة الفلسطينية لتشكيل حكومات في الضفة الغربية وقطاع غزة، ليست مقنعة – حتى اللحظة – بل تمثل إشكالية للشارع ولجيل الشباب، والذي يبدو أنه مصمم على التعبير بطريقته في 15 مارس القادم عن رفضه للواقع السياسي بشكله السريالي القائم: "حكومتان لشعب بلا وطن"..!!
إن المطلوب من كل فلسطيني – اليوم - أن يضع سهمه في كنانة من يحمي مستقبل هذا الوطن، ويكون صوتاً يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم، يقاوم ولا يستسلم.. إن معركتنا هي مع المحتل الغاصب، وأي انحراف في اتجاهات مسارنا السياسي وفعلنا المقاوم ستؤدي إلى خسارة فادحة لنا جميعاً، أما أمل الأجيال في دولةٍ فلسطينية حرة ومستقلة، فسيبقى معلقاً في حبل التمنيات والأوهام وما تحمله الأيام من كوابيس وأضغاث أحلام.
وبورك في الشباب الطامحينا:
لقد أسعدتني نداءات الشباب لهبّة شعبية تنهي الانقسام في الخامس عشر من مارس القادم، وتكون مدخلاً للمصالحة؛ ليس على المستوى السياسي فقط بل أيضاً على المستوى المجتمعي.
لقد شاهدنا في ثورة شباب مصر كيف غابت الأيديولوجيات في ميدان التحرير، وارتفع الهلال مع الصليب، واصطف الغني إلى جانب الفقير، وهتف الصغير والكبير "الشعب يريد إسقاط النظام".
روح جديدة انبعثت – بلا شك - بين الجموع، فأعادت لمصر وشعبها العزة والمكانة والمجد، وللأمة العربية الهيبة والاحترام والقدرة على صناعة الغد.
في الواقع، أننا سنفرح في الأيام والأسابيع القادمة بعودة الوئام الاجتماعي للساحة الفلسطينية في مشهد يحتضن فيه الحمساوي أخاه الفتحاوي، وينهي بذلك حالة "نزغ الشيطان" القائمة بينهما، لتسود أجواء التسامح والتغافر، وتجد الدموع طريقها لتروي وجنات المحبة والإخاء العطشى، وتعيد بناء وترميم أواصر الثقة التي جرحتها عوادي الخلافات السياسية والعقلية القاصرة لمنطق "وأحياناً على بكم أخينا"..!!
إن هناك خيبة أمل في الضفة الغربية وقطاع غزة، لعدم وجود تمثيل أوسع في تشكيلات الحكومة، والاقتصار فقط على كوادر وقيادات مؤدلجة، لن تستطع إقناع الشارع بأي حالٍ أنها تمثل طوق النجاة للحالة الكارثية التي عليها الوطن.
ختاماً.. الشعب يريد إنهاء الانقسام
إن الشارع سيقول كلمته في الأيام القادمة، وهي كلمة - لا شك - ستكون قوية ومدوية، لأنها تخرج من حناجر شابة وقيادات مستقبلية واعدة، تمثل 60% من شعبنا، وإذا لم تُشنّف لها آذان المسئولين وخاصة من إخواننا في حركة فتح بالضفة الغربية، ويبدأ الطرفان في التحرك كل طرف باتجاه الطرف الآخر للالتقاء في منتصف الطريق، فإن غضب الشارع سيتهدد الجميع، وسيخرج جيلٌ من صميم واقعنا المرير قويُّ البأسِ جبّارٌ عنيد، يمسك بيده الخطام، ويمتلك الزمام لطرح مبادراته ويفرض بطريقته التغيير المطلوب على الجميع.
صحيحٌ أن قدرات البشر والحكومات على التنبؤ قد تطورت كثيراً، ولكن تبقى للمفاجآت حظوظها وإمكانياتها لصناعة التغيير، والشواهد التي تدلل على ذلك في عالمنا المعاصر كثير.
أتمنى أن يدرس من بيدهم مقاليد الأمور علم استشراف المستقبل، والوعي بكيفية رسم سيناريوهات لما يمكن أن يقع من أحداث، وأخذ الحيطة والحذر وترتيب أساليب المواجهة والرد، بدل الاعتماد على منطق الفراسة وسياسة دعوها فإنها مأمورة..!!
إن هذه الأرض المباركة كانت عبر التاريخ تلفظ حكم كل من أساء إليها أو مارس الظلم بحق أهلها، ونحن إذا أحسنّا قراءة كل ما هو واردٌ إلينا، سندرك أن التغيير قادم، ولصالح قضيتنا وشعبنا.
إننا حالنا اليوم أشبه بوضعية الأعمى الذي يحمل سلسلة من المفاتيح - تنؤ بها العصبة - وقد سُدّت في وجهه الدروب، وأُغلقت الأبواب، فأنىَّ له أن يعرف مفتاح الخلاص؟ اليوم هؤلاء الشباب من أبناء هذا الوطن الغالي هم من سيقودون – بإذن الله - الأعمى إلى ثقب الباب، للخروج من الأزمة التي حيرّت العقول وعطلت الألباب.
وكالة سما الإخبارية، 14/3/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق