بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، مارس 28، 2011

المدونات فضاءات للحرية..وسلطة ثقافية تتشكل

المدونات فضاءات للحرية..وسلطة ثقافية تتشكل


بقلم أحمد عرار

إذا كانت ثقافة التسلط والسلطة هي ثقافة قمع الحريات وحجب الإبداعات وحرية الرأي فإن سلطة الثقافة هي ثقافة الكشف والبوح التي تهدد مراكز السلطة و البُنى الاجتماعية السائدة.

تكتب المدونات و المدونون في نواحٍ شتى، في السياسة و الثقافة و الأدب و الفنون و الاقتصاد، يدونون عن أنفسهم بكل حرية في هذا الفضاء الجديد الواسع وهم يبحثون عن متنفس حرية ينطلقون منه.

و كغيرهن من نساء العالم بدأت النساء العربيات في السنوات الأخيرة من اقتحام "عالم المدونات " وصارت هناك العديد منها على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" و إن كان واقع هؤلاء المدونات ما يزال يفتقر إلى مزيد من النضج، إلا إن المتصفح لهذه الشبكة يجد عدداً لا بأس به، فقد قدمت هذه المدونات أسماء جديدة إلى فضاء الكتابة النسوية، أسماء تمتلك من قدرات التعبير و التناول ما لا تمتلكه بعض الأسماء ذائعة الصيت في وسائل الإعلام المطبوعة، ويعود ذلك لهامش الحرية وغياب الحاجب والمحجوب، ومقصات الرقابة في هذا الفضاء المفتوح، وغياب مساومات الراتب و الوظيفة.

فضاء جديد للرفض و المعارضة

تمثل الحريات العامة إحدى أهم ركائز التقدم الحضاري وتُعد حرية الرأي هي ابرز هذه الحريات حيث تساعد على خلق الإبداع وتساهم في عملية التنمية. إن هذا الفضاء الجديد هو بمثابة وجه جديد من أوجه المعارضة والوقوف في وجه كل تلك السياسات القامعة و المانعة للحريات والحقوق. أربعين ألف مدونة هي الإحصائية الأولى للمدونات العربية أنشئ اغلبها في عام 2006م هذه المدونات فاقت شهرتها وتأثيرها كل التوقعات وباتت كما يقول عمار عبد الحميد تمثل صداعا في رأس العديد من الحكومات العربية التي تخشى بشدة أن يتملك المواطنين وسائل تتيح لهم فضح الممارسات الغير قانونية واللاديمقراطية التي تنتهجها وتمارسها هذه الحكومات. وعلى الرغم من حداثة ظهور المدونات العربية بشكل عام ، إلا أنها قد أصبحت أداة فعالة أجاد المدونون العرب استخدامها ، سواء في التعبير عن همومهم وهموم مجتمعاتهم بما فيها همومهم الشخصية أو العامة.

مدونات نسوية مميزة

لقد برزت مجموعات عديدة من المدونات استخدمت هذه الوسيلة في الكشف عن المسكوت عنه بالعالم العربي مثل تناول لتفاصيل غير معلنه عن طبيعة الحياة بمجتمعاتهم خاصة ما يتعلق بقضايا المرأة التي لا يزال الحديث عنها في المجتمع العربي محظوراً. ومن هذه المدونات مدونة "سلمى بالحاج مبروك" على موقع جيران والتي وجهت عبر مدونتها نداء إلى سيدات العالم تطالبهن فيه بتغيير القوانين الجائرة للمرأة ، كما فتحت سلمى الباب على مصراعيه أمام كل الأسئلة المُربكة و الممنوعة فتحدثت حول تعدد الزوجات وشرعية مبدأ الطاعة وعمل المرأة وغير ذلك من القضايا الهامة. كما أنشأت الصحفية فاطمة الاغبري مدونتها الشخصية " أنا عربي" في بداية السنة الجديدة وقالت : " ما استطيع قوله في صحف المعارضة لا استطيع قوله في الصحف الحكومية و العكس صحيح و هذا بحد ذاته كان سبباً رئيسياَ لأقوم بإنشاء مدونة تمثلني شخصياً ، مثل الأفكار التي أؤمن بها ، سوى كانت ضد أو مع، كما استطيع من خلالها أن أقول ما أريده دون أي سقف يحد حريتي. ومن النماذج الأخرى مدونة الباحثة الليبية "ليلى النيهوم" " نوهمة" المهتمة بالأعمال السينمائية والمسرحية حيث تقوم بعرض نقدي لجديد الأعمال كما تعرض في مدونتها لكتب جديدة تتناول المواضيع الفنية المختلفة. ومن المدونات الفلسطينيات مدونة الصحافية سماهر الخزندار التي تعبر عن نفسها بأنها باحثة عن المصالحة مع الذات و الواقع، ومدونة الصحافية رشا فرحات التي عبرت فيها عن أحاسيسها بشكل عام تجاه كل المواضيع الإنسانية التي تستشري في قلب المجتمع الغزي ، وذلك من خلال قصصها الأدبية القصيرة ومقالاتها الإنسانية وفي هذا المضمار تقول :المدونة فتحت لي المجال للتعرف على كتاب مهمين وهواة من وطني ومن الوطن العربي قد لا تكون الفرصة قد حالفتهم تماما للنشر والإبداع في الصحف والمجلات المحلية والعربية ، وكانت المدونة فرصة كبيرة لأخذ أراء كتاب مهمين بالنسبة لي بالرغم أنهم ما زالوا على بداية طريق الكتابة ، ولكنهم ابدعوا حقا لذلك كانت تعليقاتهم على سطور مدونتي بمثابة الدفعة القوية لي للاستمرار والكتابة والإبداع ، وكل تعليق اقرأه على موضوع كتب في المدونة هو نافذة الأمل التي أشعرتني أنني صاحبة قلم يعتبر به بين الكتاب الفلسطينيين والعرب الشباب .

ومن المدونات المتميزة جداً مدونة الإعلامية الفلسطينية "ليلى الحداد" باللغة الانجليزية و التي تقول في حوار لها مع البي بي سي بأن المدونات الفلسطينية يمكن أن تشكل "إعلاما بديلا" خاصة بالنسبة للناس في الغرب حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فكثير من الأفراد حول العالم يريدون معرفة ما يحدث في غزة وكيف يؤثر ذلك على الحياة اليومية من خلال وجهة نظر فلسطينية وهو ما أقوم به في المدونة، وتضيف الحداد بأنها وجدت في مدونتها وسيلة للتواصل من غزة، حيث تعيش وتعمل، مع زوجها الذي يعيش في الولايات المتحدة كلاجئ فلسطيني لا يستطيع العودة إلى فلسطين لأنه من سكان شمال إسرائيل. وتضيف بأن المدونات هي المستقبل، وهناك دور نشر كبرى تعرض محتوى كتب جديدة على المدونات للنقاش قبل إصدارها ورقيا.

نهايات وبدايات

شد وجذب، حجب والتفاف حول الحجب هذا هو الحال بين المدونين العرب والحكومات، رغم العمر القصير لهذا الفضاء عربياً. فحرية الرأي التقليدية التي تصطدم بالخطاب السلطوي والتي تجعل أصحابها يدفعون ضرائب باهظة نتيجة تعبيرهم عن آراءهم بدأت تتقوض فكل شخص الآن بإمكانه أن يشتم اكبر رئيس دولة وكل شخص بإمكانه أن يتكلم في التابو المحرم ويمزق كل الجُدر والموانع أمام حريته في التعبير و الخروج على الخطاب السائد، دون كشف هويته . وما تلك الأشكال التي تقوم بها الدول والمؤسسات الأمنية للحد من هذه المدونات إلا مجرد عمل عبثي لن يستطيع أن يغير من الواقع شيء. واقع بدأ يُعلن عن نفسه من خلال هذا الفضاء الإنساني العالمي الذي سيُشكل في المستقبل القريب تهديدا لكل أصحاب الفكر ألظلامي والعدمي الذي سيُحكم عليه في النهاية بالموت و الاندثار أمام تفجُر المواطن العربي وخروجه من قمقمه. فمع اتساع عدد المدونات و المدونين العرب ، سيصبح من الصعب صم الآذان وإغماض العيون عن كل هذا الصخب و الصراخ القادم من هنا وهناك...

نقلاً عن صحيفة صوت النساء- طاقم شؤون المرأة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق